الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
إعلام الأنام بحقيقة الإسلام .
إن الواجب على الداعية إلى الله أول ما يدعو إليه أن يدعو إلى التوحيد، فيبين حقيقته، ومعناه المطلوب، ويوضح ذلك بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ثم يبين فضله للترغيب فيه، ويحث عليه، لأن الشيء إذا عرفت مزاياه فإن النفس تتعلق به وتحرص عليه، ولهذا نلاحظ خطأ كثير من الدعاة اليوم، أو من المؤلفين المعاصرين، الذين يزعمون أنهم يكتبون عن الإسلام، وعن الدعوة، ويمدحون الإسلام مدحاً كثيراً في محاضراتهم وفي كتبهم، وهذا حق، لكن ما هو الإسلام أولاً، لم يبينوا ما هو الإسلام، لأن كل واحدة من الفرق الضالة والمنحرفة تفسر الإسلام بمذهبها، وينزلون هذا المدح، وهذا الثناء على مذهبهم.
ولهذا فإن الله تعالى أمرنا أن ندعو للإسلام كمعنى يدان به لا مجرد اسم خالٍ من المعاني السامية قال تعالى (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران:64) ، كما بين أن الدين المراد هو الإسلام المرتبط بمعناه المتضمن للاستلام لله تعالى بكل ما تعنيه هذه الكلمة ، ولهذا قال تعالى : ( بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ )(البقرة: من الآية112) ، وقال تعالى : ( وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) (النساء:125) ، فلم يكتف بقوله ( ممن أسلم ) حتى أضاف إليها ( لله ) مبيناً معناه المراد ، وهو كمال الذل والخضوع والاستسلام لله تعالى ، وهذه هي حقيقة العبادة المرادة من البشر ، ومما لا شك فيه أن المعنى الحق للإسلام هو الاستسلام لله تعالى بالتوحيد ، وأن إطلاقه وارد شرعاً ، إلاّ أن تفسيره ، وبيان المراد به هو ذلك الدين الذي حوى تلك العقائد الصحيحة التي تقبلها الفطر والعقول
السليمة ، وذلك الدين الذي شرع من الأحكام أعدلها ، ومن الأخلاق أجملها ، ومن الآداب أكملها ، ولكن لما اتخذ جماعات مطلق مسمى الإسلام إلى مذاهبهم المنحرفة ، ويقول للعالم هذا هو الإسلام يا من تسألون عنه ! ، ثم يرشد عقيدة تجهم أو رفض أو زندقة أو إرهاب وتطرف وغلو ، فعندئذِ وجب تمييز الإسلام الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم عن الإسلام الذي مغاير تماماً لما نقله أمثال أولئك الأغمار للناس وصدوهم عن السبيل .
فلا يكفي أن نمدح الإسلام ونثني عليه فقط، فلابد من عدة أمور على الداعية إلى الله أن يوضحها ويبينها، وهي:
ما هو الإسلام؟!
ما هي حقيقة الإسلام الذي ينجي من الكفر، ويدخل في التوحيد، وينجي من النار ويدخل في الجنة؟!
وما هي نواقض الإسلام التي تفسد الإسلام وتخرج منه؟!
وما هي مكملاته؟!
وما هي منقصاته؟!
وما هي الأخلاق السامية التي يدعو إليها الإسلام ؟!
تعال معي أخي القارئ لنتعرف مع بعضنا البعض، ما هو الإسلام؟ وما هي حقيقة الإسلام؟
حقيقة الإسلام :
الإسلام: هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله.
والاستسلام لله بالتوحيد :
يكون بإفراد الله بالعبادة، ونفي جميع ما يعبد من دون الله، وإثبات العبادة لله وحده، فمعنى لا إله إلا الله، أي: لا معبود بحق إلا الله.
فإفراد الله بالعبادة يعني: لا يصلى، ولا يدعى، ولا يذبح، ولا ينذر، ولا يحج، ولا يعتمر، ولا يتصدق ولا يتقرب بأي عبادةإلا لله سبحانه وتعالى، ويبتغي بذلك وجه الله سبحانه وتعالى.
والدليل قوله تعالى: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ))، وقال تعالى: ((وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ))، وقال تعالى: ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا))، وقال: ((وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا ))، وقال: ((قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا)).
وكل هذه الآيات تفسر معنى لا إله إلا الله، وهي كلمة التوحيد، وهي عبادة الله وترك ما سواه .
أما عبادة الله بدون ترك عبادة ما سواه، فهذا لا يسمى توحيداً، فالمشركون يعبدون الله ويعبدون معه غيره فصاروا مشركين، فليس المهم أن الإنسان يعبد الله فقط، بل لابد أن يعبد الله ويترك عبادة ما سواه.
وهذا هو تحقيق النفي والإثبات الواردين في كلمة التوحيد لا إله إلاّ الله ، لأن ( لا إله ) تقتضي الكفر بجميع ما يعبد من دون الله ، و ( إله ) نكرة في سياق النفي تفيد العموم الكلي : أي كل إله مهما كان حاله ونوعه ، و ( إلاّ الله ) تقتضي إفراد الله بالعبادة .
والانقياد له بالطاعة:
يكون بإتباع ما أمر الله به، واجتناب ما نهى عنه، قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْالرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُإِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً))، وقال: ((وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون))، وقد حذرنا الله عز وجل من عدم طاعته، فقال: ((وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ))، وقال: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ))، وقال: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ))، وقال: ((قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ)).
وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم من طاعة الله، فلابد من إتباع ما أمرنا الله به، وما نهانا عنه، وإتباع ما أمرنا به الرسول صلى الله عليه وسلم، واجتناب ما نهانا عنه، قال تعالى: ((وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)).
والبراءة من الشرك تكون:
بقطع الصلة والبعد عن المتبرأ منه، أي قطع الصلة بما يعبدون من دون الله من الأصنام والكواكب والأحجار والأشجار.. وغير ذلك، ومجرد قطع الصلة لا تكفي أيضاً حتى يعتقد بطلانها ، وعدم استحقاقها للعبادة ، قال تعالى : ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (الحج:62) .
والدليل على قطع سائر الصلات بسائر المعبودات من دون الله قوله تعالى: ((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ))، وقال: ((قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)).
فمن حقق التوحيد بشكله الصحيح الذي يرضي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا الإسلام هو الذين ينجي من الكفر ويدخل في التوحيد، وينجي من النار، ويدخل الجنة، قال تعالى: ((الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ))، وقال تعالى: ((إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ))، وقال: ((وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ)) وقال صلى الله عليه وسلم: " من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل "، وقال صلى الله عليه وسلم: " فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله".